على مدار سنوات عديدة، كنت أعاني من مشاكل في الحفاظ على النوم، لكن ليس في النوم نفسه. ما كان يحدث لي هو أنني كنت أنام، بشكل عام، دون مشاكل كبيرة، ولكن عند استيقاظي، كنت أشعر أن الليل كان طويلاً جداً.
كما كان يحدث أحياناً أنني أستيقظ عدة مرات خلال الليل، دون سبب واضح.
من الواضح أنه خلال النهار كنت أغفو إذا أردت قراءة كتاب، كنت متعبة جداً، وأعاني من صعوبة في التركيز ونوع من الضباب الذهني الذي يمنعني من التفكير بوضوح.
الغريب هو أن هناك ليالٍ كان نومي فيها يتراوح بين 7 و8 ساعات، وهو ما يعتبر طبيعياً لدى البالغين الأصحاء. ومع ذلك، كان يومي بمثابة عذاب حقيقي: كنت أصل إلى الساعة السابعة مساءً وأنا أرغب بشدة في النوم.
ثم توقفت عن الرغبة في الخروج لتناول الطعام مع الأصدقاء أو الاستمتاع بأنشطة ليلية أخرى، ببساطة لأنني أردت النوم أو على الأقل الراحة.
لم أدرك بسرعة أن هذه كانت مشكلة نوم، حتى أجريت لي دراسة نوم (تسمى طبياً بوليسومنوغرافيا).
أظهرت دراسة النوم التشخيص: كان نومي متقطعاً. وهذا يعني أساساً أنني كنت أستيقظ أثناء الليل، رغم أنني لم أكن أدرك ذلك.
ما هي عدم تحمل اللاكتوز في الحليب
منذ بلوغي 28 عاماً، بدأت ألاحظ أن الحليب يسبب لي تقلصات في الأمعاء وحتى زيادة في الغازات. أخبرني طبيب الجهاز الهضمي أنني أعاني من عدم تحمل اللاكتوز، وهو أمر شائع الظهور في هذا العمر، لكنه قد يظهر في مراحل أخرى من الحياة أيضاً.
تفاقم عدم التحمل تدريجياً، ولم أعد أستطيع تجربة أي ساندويتش يحتوي على الحليب لأنه كان يسبب لي ضرراً كبيراً.
بالطبع، بدأت أستهلك منتجات خالية من الحليب أو مباشرة خالية من اللاكتوز. كما اشتريت كبسولات إنزيم اللاكتاز التي تؤخذ قبل تناول الحليب بقليل وتساعد أمعائك على معالجة الحليب بشكل أفضل.
إنزيم اللاكتاز هو ما ينقص الجسم ولهذا السبب لا يمكن لمن يعانون من عدم تحمل اللاكتوز استهلاك الحليب: لا يمكننا تفكيك اللاكتوز أو سكر الحليب.
لفترة طويلة كانت حياتي طبيعية إلى حد كبير، كنت أستطيع تناول الحليب طالما تناولت إنزيم اللاكتاز... رغم أنني بدأت أعاني من مشاكل في النوم عند بلوغي 34 عاماً.
العدو الأقل توقعاً: الحليب
كما قلت، بدأت مشاكل نومي عند 34 عاماً. كانت تزداد سوءاً تدريجياً. كانت هناك أيام حتى أن جسدي كان يؤلمني، المفاصل.
بالطبع! بعد روتين قوي في النادي الرياضي، يحتاج الجسم للراحة والتعافي... وبما أن جسدي لم يكن يتعافى بشكل صحيح، ظهرت الآلام الغامضة.
كل الأطباء الذين زرتهم أكدوا أن صحتي ممتازة. وبخصوص مشكلة نومي،
قالوا إنها قلق وأنها مسألة يجب حلها بالعلاج النفسي أو أدوية للنوم.
لكنني وجدت نمطاً خاصاً جداً بخصوص النوم: كانت هناك ليالٍ أنام فيها أفضل بكثير من غيرها. وكانت الظروف نفسها. ماذا يمكن أن يكون السبب؟
بدأت أبحث على الإنترنت ولدهشتي، الأشخاص الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتوز غالباً ما يواجهون مشاكل في النوم.
على سبيل المثال، هذه الدراسة (بالإنجليزية) "
الاضطرابات الغذائية والأمراض الهضمية" المنشورة في المكتبة الوطنية للطب (NLM) واضحة جداً في هذا الشأن.
يمكنك قراءة المزيد من الدراسات العلمية التي تظهر هذه المشكلة حتى عند الرضع، مثلاً:
خصائص النوم عند الرضع الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتوز(أيضاً بالإنجليزية).
أي مشكلة هضمية يمكن أن تعقد نومك
هناك العديد من المقالات العلمية التي تظهر وجود علاقة بين النوم السيء والمشاكل الهضمية، ليس فقط عدم تحمل اللاكتوز، بل أيضاً ارتجاع المريء، الأمراض الالتهابية للأمعاء، أمراض الكبد والبنكرياس، اضطرابات الميكروبيوتا المعوية والعديد غيرها.
هنا مقال آخر من مصدر محترم يدعم هذه النظرية:
لماذا قد تكون عدم تحمل الطعام تدمر نومك
في الواقع، إذا دخلت إلى منتديات التغذية، ستجد أشخاصاً يروون مشاكلهم، مثلاً هذا يظهر في منتدى Reddit:
"قبل فترة اتبعت حمية خاصة تتضمن شرب نصف جالون من الحليب يومياً للمساعدة على زيادة الوزن. منذ ذلك الحين، كلما شربت الحليب أو منتجات الألبان كنت متأكدًا من أن نومي سيكون متقطعاً، أستيقظ عند الساعة 3 أو 4 صباحاً ولا أستطيع العودة للنوم."
لماذا يحدث هذا؟ ماذا يمكننا أن نفعل؟
حسناً، لم يُعطَ جواب نهائي بعد. قد يكون بعض البروتينات والببتيدات وجزيئات أخرى في منتجات الألبان تعاملها الجسم كجزيئات غريبة. وهكذا، لبعض الأشخاص، قد يسبب ذلك استجابة مناعية؛ وهذا بالطبع سيكون مدمراً للنوم.
الإجهاد الذي يسببه اللاكتوز (أو أي طعام آخر يسبب لك الانزعاج) ينتج الكورتيزول، وهو الهرمون المسؤول عن الاستجابة لهذا الإجهاد.
أعلى مستوى للكورتيزول في الدم يكون خلال الساعة الأولى بعد الاستيقاظ وينخفض خلال اليوم ليصل إلى أدنى مستوياته أثناء النوم.
الآن، ماذا يحدث إذا أنتج الجسم الكورتيزول أثناء النوم؟ يوقظنا أو يقطع نومنا وأحياناً لا نلاحظ ذلك حتى.
آلية أخرى محتملة، وإن كانت أقل دراسة، هي أن منتجات الألبان قد تؤثر أيضاً على الميكروبيوتا المعوية، مما قد يكون ضاراً للعديد من الأمور بما في ذلك النوم.
للأسف، المنتجات الخالية من اللاكتوز ليست الحل
المنتجات الخالية من اللاكتوز (غالباً ما تحمل علامات مثل 100% خالية من اللاكتوز أو 0% لاكتوز) قد تبدو الحل في البداية... لكن إذا كانت حالة عدم تحملك للاكتوز شديدة جداً، يجب أن أخبرك أن معظم المنتجات الخالية من اللاكتوز، حتى وإن قالت 100% خالية منه، قد تحتوي على آثار صغيرة تعطل نومك.
ما أقترحه عليك فعله، وهو ما فعلته أنا، هو إزالة الحليب من حياتك. رغم أن الحليب غذاء متكامل جداً (كنت أحبه كثيراً خاصة الحليب بالشوكولاتة)، للأسف اضطررت لإزالته من نظامي الغذائي: النوم الجيد أهم بكثير.
اقرأ جيداً ملصقات كل منتج تأخذه إلى فمك، هناك منتجات تحتوي على كمية قليلة جداً من الحليب أو مشتقاته لكنها قد تعطل نومك.
أنصحك أيضاً بشراء مكمل إنزيم اللاكتاز الغذائي الذي ذكرته سابقاً. يجب أن تتناوله (على الأقل 3 أقراص 9000 وحدة) عندما تعتقد أن المنتج قد يحتوي على بعض الحليب ويجب عليك تناوله.
على أي حال، القاعدة العامة الأفضل هي عدم استهلاك أي شيء مشتق من الحليب مباشرةً حتى لو كان بكميات قليلة: الزبدة، الجبن، الزبادي، كريمة الحليب.
لا تثق أبداً بالمنتجات الغذائية التي تدعي أنها خالية تماماً من اللاكتوز: فهي ليست كذلك بالكامل.
في البداية، حسب ما قرأت في الدراسات ومنتدى متخصص بالتغذية، يظهر تحسن النوم بعد 4 إلى 5 أسابيع من التوقف التام عن الحليب. يجب أن يكون هذا الوقت الذي يحتاجه الجسم بشكل عام للتعافي من الإجهاد الناتج عن اللاكتوز.
إذاً، كيف حسنت نومي؟
تحسن نومي كثيراً بعد إزالة الحليب. وبالطبع
كان عليّ أيضاً حل مشاكل أخرى بالعلاج مثل القلق وممارسة نظافة نوم جيدة (عدم استخدام الشاشات قبل النوم، غرفة باردة ومظلمة تماماً، النوم في نفس الوقت يومياً، إلخ).
عادةً ما تكون مشاكل النوم متعددة الأسباب، أي أنه لا يوجد سبب واحد فقط لمشكلة النوم.
أعطي تفاصيل أكثر عن كيف تمكنت من تحسين نومي في هذا المقال الآخر الذي أنصحك بقراءته:
حليت مشكلة نومي خلال 3 أشهر: سأخبرك كيف
كيف أعرف إذا كنت أعاني هذه المشكلة؟
حسناً، هناك حالات عدم تحمل للاكتوز تكون خفيفة جداً وهذا يعتمد على كل شخص. عندما تشرب الحليب ربما تلاحظ فقط بعض الانزعاج أو أصوات في بطنك ولكن ليس أكثر.
هناك عدة اختبارات طبية يمكنك طلبها من طبيبك والتي يمكن أن توجهك لمعرفة إذا كنت تعاني عدم تحمل للاكتوز أو غيره من الأطعمة:
— اختبار عدم تحمل اللاكتوز:اطلب اختبار عدم تحمل اللاكتوز من طبيب الجهاز الهضمي الخاص بك وإذا أمكن اطلب أيضاً اختبار السيلياك؛ فمن المحتمل جداً أن السيلياك يسبب مشاكل نوم أيضاً.
— اختبار الكورتيزول في الدم: يتطلب هذا تحليل دم مبكراً جداً في الصباح. إذا كانت النتيجة غير طبيعية فهذا يعني أن جسمك متوتر وقد يكون السبب هو عدم تحمل غذائي.
— تصوير بالموجات فوق الصوتية للبطن: في حالتي خلال هذه السنوات أجريت على الأقل ثلاث تصويرات بالموجات فوق الصوتية للبطن. وفي جميعها لاحظ طبيب الجهاز الهضمي وجود غازات مكثفة مخزنة في أمعائي. هذا يعني أن بعض الأطعمة التي أتناولها تسبب غازات كثيرة في جسدي: وهذا يظهر في صور الموجات فوق الصوتية! وهو مؤشر قوي جداً على أن اللاكتوز لا يتحلل كما ينبغي.
— قد تظهر نتائج غير طبيعية في تحاليل دمك: مثلاً لدي ارتفاع في عدد الخلايا اللمفاوية أكثر من المعتاد. بالطبع يمكن أن يكون هذا الارتفاع شائعاً أيضاً في أمراض أخرى مثل اللوكيميا. لذلك يجب عليك استشارة طبيب دم إذا ظهرت نتائج غير طبيعية في تحاليل دمك.
النوم أساسي لحياتنا. إذا لم ننام جيداً لن نكون فقط متعبين في اليوم التالي بل من المحتمل أيضاً أن نمرض أكثر ونعيش حياة أكثر حزناً وقصرًا.
أنصحك بمتابعة قراءة هذا المقال الآخر الذي قد يهمك:
كلما زادت قلقك قلّت حياتك
استشر طبيبك حول كل ما ذكرته لك في هذا المقال! لقد تحسن نومي كثيراً بعد اكتشافي أن الطعام قد يسبب لي مشاكل في النوم.
آمل من قلبي أن يساعدك هذا المقال على النوم بشكل أفضل.